تحدث الصدمة النفسية التالية للكرب لدى
الأطفال و المراهقين كما هو الحال لدى الكبار، إلا أنها تختلف في صورتها و
آثارها السلبية باعتبار المرحلة العمرية للطفل و المراهق.
تشخص الصدمة النفسية التالية للكرب حينما يتعرض الفرد إلى كارثة ينجم عنها
تهديد لحياته أو حياة آخرين أو انتهاك لإنسانيته، فيستجيب لها في صورة خوف
أو غم شديدين، تظهر الانفعالات النفسية مباشرةً بعد الكارثة أو خلال
الأسابيع الأولى تعرف باضطراب الصدمة الحادة أو بعد زمن طويل تعرف بالصدمة
النفسية التالية للكرب. يمكن أن تنتج عن الإيذاء الجسدي والإهمال و
الاعتداءات الجنسية واختطاف الأطفال، شهود انتحار الأصدقاء أو قتل أحد
أفراد الأسرة ، عض الحيوانات الضالة كالكلاب، الحروق الشديدة، الكوارث
الطبيعية: مثل الفيضانات، الأعاصير… وغيرها.
تزيد حدة الصدمة النفسية و آثارها السلبية على الطفل أو المراهق بحسب
قربهما من موقع حدوث الكارثة، و درجة فظاعتها ، كما إن طبيعة إنفعال
والديهم بعد الكارثة تؤثر إيجابا أو سلبا على أولادهم و قدرة تحملهم، فكلما
كان الوالدان صريحا مع أولادهم في التعبير عن مشاعرهم تجاه الكارثة
بموضوعية و واقعية مع إظهار الدعم و المعاضدة كانت استجابة الأولاد أكثر
إيجابية و قدرتهم على تخطي الصدمة أسرع و أقل كلفة. تختلف الدراسات
الإحصائية و البحوث العلمية في تحديد النسبة ، فبعضها تشير إلى أن 14 إلى
43 % من الأطفال يمرون بتجربة واحد على الأقل من الصدمات الكارثية في
حياتهم ، وإن 3 إلى 15% من الأطفال الإناث و 1 إلى 6% من الأطفال الذكور قد
يعانون من الصدمة النفسية التابعة للكرب.
تختلف مظاهر الصدمات التابعة للكرب بحسب الفئة العمرية و النضج العقلي و
النمو الاجتماعي و رصيد الخبرات السابقة، فالبعض قد يعاني من القلق والخوف
لفترة قصيرة ما يلبث أن تزول عنهم تلك المخاوف خصوصا حينما تتوفر لهم
الرعاية و الحماية من قبل الوالدين. في المقابل قد يعاني آخرون من اضطرابات
مزمنة كالخوف، و الاكتئاب، و القلق النفسي العام، و قلق الانفصال عن
الوالدين، و نوبات الهلع، و نوبات العنف و الغضب، و تجنب الأنشطة أو
الأماكن المذكرة بالكارثة، إضافة إلى المضاعفات الناتجة لما سبق كالمشكلات
الأسرية أو تدهور التحصيل العلمي و كثرة التغيب عن المدرسة. تتميز مرحلة
السنوات الأولى من الحياة (الطفولة المبكرة) بمظاهر خوف عامة غير محددة و
محاولات الهروب من وقائع أو أماكن قد لا ترتبط أو قد تكون مرتبطة بالكرب ،
يصاحبه اضطرابات في النوم و أحيانا انتكاسة عارضة للمهارات النمائية
المكتسبة سابقا كالتبول و التبرز اللاإرادي، أما بالنسبة للأطفال الصغار
جدا فقد لا يعانون أو تظهر عليهم الاستجابات النفسية السلبية بصورة محدودة.
تتميز مرحلة سن المدرسة عند الأطفال إنهم لا يعانون من استرجاع أحداث الكرب
كما هو الحال لدى الكبار، كذلك قد يبدوا أنهم مشتتي الفكر أو سريعي
الاستثارة و الارتعاب، و قد يعبروا عن مخاوفهم بالشكوى من بعض الأعراض
الجسدية التي ليس لها أسباب طبية واضحة مثل آلام البطن و صداع الرأس. و
أحيانا قد يعبروا عن معاناتهم من خلال الرسم، أو محاكاتهم لأحداث الكارثة
أثناء اللعب مثال: الطفل الذي تعرض للنار يمكن أن يولع الحرائق، و مثال
آخر: الاختباء تحت الأشياء كأنما يتعرض لإعصار.
أما بالنسبة للمراهقين فتظهر الصدمة النفسية شبيهة بالتي يعاني منها الكبار
مثل استرجاع أحداث الكارثة في اليقظة و عبر الأحلام و تخيل وقائعها
المؤلمة و محاولة الهروب و الابتعاد عن كل ما يذكر بها، يصاحب ذلك سرعة
الانفعالات النفسية و اضطرابات النوم و ضعف التركيز، أو الشعور بالاكتئاب و
الرغبة في الانتحار، كما قد يلجأ بعضهم إلى شرب الكحول أو تعاطي المخدرات
كمحاولة لتحسين شعورهم.
و بالرغم من أن بعض الأطفال و المراهقين قد يتحسنون مع الوقت و تزول عنهم
الصدمة النفسية التالية للكرب، إلا أن نسبة منهم تستمر معاناتهم إن لم
يتلقوا العلاج المناسب. ومن أهم الوصايا العلاجية خاصة في الفترة الأولى من
حدوث الكارثة ما يلي:
- تثقيف الوالدين و توعيتهم بالصدمة النفسية التالية للكرب و مظاهرها الطبية و آثارها على أولادهم.
- توفير الحماية و الأمن النفسي و منع تكرار حدوث الكارثة مرة أخرى.
- السماح للطفل أو المراهق بالبكاء و طمأنته بأنه من الطبيعي الشعور
بالخوف، مع أهمية الابتعاد عن فرض الآراء و التسرع في إجراء الأحكام.
- تدريبهم على الاسترخاء عند تذكرهم لأحداث الكرب، و التغلب على الآثار النفسية الناتجة عنها كالقلق و اضطرابات النوم.
- العمل على دمجهم مبكرا في الحياة اليومية و ممارسة الأنشطة ، كالذهاب إلى
المدرسة و التي تمثل رافدا مهما لبناء شخصياتهم و صقل مهاراتهم الاجتماعية
.
- العلاج المعرفي السلوكي من قبل المتخصصين و الذي يهدف إلى تشجيع الطفل أو
المراهق على التحدث عن الكرب و تصحيح المفاهيم أو القناعات الخاطئة
المكتسبة بسببه.
- معالجة الأطفال صغار السن من آثار الصدمة النفسية خلال اللعب من قبل المتخصصين.
- توفير العلاج النفسي للوالدين و المعنيين بتربية الأطفال و المراهقين،
حيث أن الأطفال والمراهقين يمكنهم التجاوب و التفاعل مع أحاسيس الكبار
وردود أفعالهم إيجابا و سلبا.
- التنسيق البناء و المستمر بين المعنيين برعاية الطفل و المراهق بما فيهم الأسرة و المدرسة و المختصين.
- قد يحتاج بعض الأطفال أو المراهقين إلى العلاجات الدوائية كعامل مساعد في
تخفيف آثار الصدمة النفسية، و لكن ينبغي التأكيد على أن يتم صرفها من قبل
المتخصصين و تحت إشراف الوالدين.