بالرغم من عظم مسؤولية تربية الأولاد إلا أن كثيرا من الناس قد فرط بها ،
واستهان بأمرها ، ولم يرعها حق رعايتها ، فأضاعوا أولادهم ، وأهملوا
تربيتهم ، فلا يسألون عنهم ، ولا يوجهونهم .
وإذا رأوا منهم تمردا أو انحرافا بدأو يتذمرون ويشكون من ذلك ، وما علموا أنهم هم السبب الأول في ذلك التمرد والانحراف كما قيل :
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إيَاك إياك أن تبتل بالماء .
والتقصير في تربية الأولاد يأخذ صورا شتى ، ومظاهر عديدة تتسبب في انحراف الأولاد وتمردهم ، فمن ذلك ما يلي :
• تنشئة الأولاد على الجبن والخوف والهلع والفزع :
فمما يلاحظ على أسلوبنا في التربية – تخويف الأولاد حين يبكون ليسكتوا؛
فنخوفهم بالغول ، والبعبع ، والحرامي ، والعفريت ، وصوت الريح ، وغير ذلك .
وأسوأ ما في هذا – أن نخوفهم بالأستاذ ، أو المدرسة ، أو الطبيب ، فينشأ الولد جبانا رعديدا يفرق من ظله ، ويخاف مما لا يخاف منه .
وأشد ما يغرس الخوف والجبن في نفس الطفل – أن نجزع إذا وقع على الأرض ،
وسال الدم من وجهه ، أو يده ، أو ركبته ، فبدلاً من أن تبتسم الأم ، وتهدئ
من روع ولدها وتشعره بأن الأمر يسير – تجدها تهلع وتفزع ، وتلطم وجهها ،
وتضرب صدرها ، وتطلب النجدة من أهل البيت ، وتهول المصيبة ، فيزداد الولد
بكاءً ، ويتعود الخوف من رؤية الدم ، أو الشعور بالألم .
• تربيتهم على التهور ، وسلاطة اللسان والتطاول على الآخرين ، وتسمية ذلك شجاعة :
وهذا خلل في التربية ، وهو نقيض الأول ، والحق إنما هو في التوسط .
• تربيتهم على الفوضى ، وتعويدهم على الترف والنعيم والبذخ :
فينشأ الولد مترفاً منعما ً، همه خاصة نفسه فحسب ، فلا يهتم بالآخرين ، ولا
يسأل عن إخوانه المسلمين ، لا يشاركهم أفراحهم ، ولا يشاطرهم أتراحهم ؛
فتربية الأولاد على هذا النحو مما يفسد الفطرة ، ويقتل الاستقامة ، ويقضي
على المروءة والشجاعة .
• بسط اليد للأولاد ، وإعطاؤهم كل ما يريدون :
فبعض الوالدين يعطي أولاده كل ما سألوه ، ولا يمنعهم شيئاً أرادوه ، فتجد
يده مبسوطة لهم بالعطاء ، وهم يعبثون بالأموال ، ويصرفونها في اللهو
والباطل ، مما يجعلهم لا يأبهون بقيمة المال ، ولا يحسنون تصريفه .
• إعطاؤهم ما يريدون إذا بكوا بحضرة الوالد ، خصوصا الصغار :
فيحصل كثيرا أن يطلب الصغار من آبائهم أو أمهاتهم طلبا ما ، فإذا رفض
الوالدان ذلك لجأ الصغار إلى البكاء ؛ حتى يحصل لهم مطلوبهم ، عندها ينصاع
الوالدان للأمر ، وينفذان الطلب ، إما شفقة على الولد ، أو رغبة في إسكاته
والتخلص منه ، أو غير ذلك ؛ فهذا من الخلل بمكان ، فهو يسبب الميوعة والضعف
للأولاد .
• شراء السيارات لهم وهم صغار :
فبعض الوالدين يشتري لأولاده السيارة وهم صغار ، إما لأن الابن ألح عليه في
ذلك ، أو لأن الأب يريد التخلص من كثرة طلبات المنزل ، ويريد إلقاءها على
ولده ، أو أن الابن ألح على الأم ، والأم ألحت على الأب ، أو لغير ذلك من
الاعتبارات .
فإذا تمكن الولد من السيارة فإنه – في الغالب – يبدأ في سلوك طريق
الانحراف ، فتراه يسهر بالليل ، وتراه يكثر الخروج من المنزل ، وتراه يرتبط
بصحبة سيئة ، وربما آذى عباد الله بكثرة التفحيط ، وربما بدأ في الغياب عن
المدرسة ، وهكذا يتمرد على والديه ، فيصعب قياده ، ويعز إرشاده .
• الشدة والقسوة عليهم أكثر من اللازم :
إما بضربهم ضربا مبرحا إذا أخطأوا – ولو للمرة الأولى – أو بكثرة تقريعهم
وتأنيبهم عند كل صغيرة وكبيرة ، أو غير ذلك من ألوان الشدة والقسوة .
• شدة التقتير عليهم :
فبعض الآباء يقتر على أولاده أكثر من اللازم ، مما يجعلهم يشعرون بالنقص ،
ويحسون بالحاجة ، وربما قادهم ذلك إلى البحث عن المال بطريقة أو بأخرى ،
إما بالسرقة ، أو بسؤال الناس ، أو بالارتماء في أحضان رفقة السوء وأهل
الإجرام .
• حرمانهم من العطف والشفقة والحنان :
ما يجعلهم يبحثون عن ذلك خارج المنزل ؛ لعلهم يجدون من يشعرهم بذلك .