* نسبه :
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن
مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن
مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، وعدنان من ذرية إسماعيل
بن إبراهيم ، غير أنه لم يحدد عدد ولا أسماء من كانوا بين عدنان وإسماعيل
وإن ثبتت الصلة بينهما .
أبوه عبد الله بن عبد المطلب كان أحسن أبناء أبيه وأعفهم وأقربهم إليه ،
وهو الذبيح ، الذي فداه أبوه بمئة من الإبل في الواقعة المعروفة حسب التراث
الإسلامي ، واختار له أبوه عبد المطلب آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة
بن كلاب ، وتعد يومئذ أفضل امرأة في قريش نسبا وموضعا ، فكان أبوها سيد بني
زهرة نسبا وشرفا ، فزوجها له وهو في الخامسة والعشرين .
* حياته قبل البعثة :
* نشأته :
ولد محمد بمكة في شعب بني هاشم ( بطن من بطون قريش ) يوم الإثنين الثامن
أو الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل ، ويوافق ذلك العشرين أو
اثنين وعشرين من شهر أبريل سنة 571م ( أو 570 وحتى 568 أو 569 حسب بعض
الدراسات ) . مرض أبوه عبد الله بالمدينة وتوفي ، قيل ما يقرب من ستة أشهر
قبل أن يولد ، والثابت أن آمنة ولدت محمدا في غياب عبد الله ، فأرسلت إلى
عبد المطلب تبشره بحفيده ففرح به فرحا شديدا ، وجاء مستبشرا ودخل به الكعبة
شاكرا الله ، واختار له اسم محمد ولم تكن العرب تسمي به آن ذاك ، وختنه
يوم سابعة كما كانت عادة العرب . أول من أرضعته من المراضع – وذلك بعد أمه
بأسبوع – ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابن لها يقال له مسروح ، وكانت قد أرضعت
قبله حمزة بن عبد المطلب ، وأرضعت بعده أبا سلمه بن عبد الأسد المخزومي ،
ثم عرض على مرضعات بني سعد بن بكر ، فما قبله ليتمه والخوف من قلة ما يعود
من أهله أحد إلا حليمة بنت أبي ذؤيب وزوجها الحارث بن عبد العزى ، وإخوته
منها عبد الله بن الحارث وأنيسة بنت الحارث والشيماء ، وكانت تحضن معه ابن
عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، وكان حمزة رضيع بني سعد أيضا ،
فأرضعت أمه محمدا وهو عند حليمة يوما ، وبذلك يكون حمزة رضيع رسول الله من
جهة ثويبة ومن جهة السعدية ، وكانت حليمة تذهب به لأمه كل بضعة أشهر ، وقد
عاش في بني سعد سنتين حتى الفطام وعادت به حليمة إلى أمه لتقنعها بتمديد
حضانته خوفا من وباء بمكة وقتها ولبركة رأتها وزوجها من هذا الرضيع فوافقت
آمنة . كان محمد في الرابعة أو الخامسة من عمره حين حدث له ما يعرف بحادث
شق الصدر ، التي يؤمن المسلمون بحدوثها .
روي عن مسلم عن أنس بن مالك في صحيح مسلم :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه ،
فصرعه ، فشق عن قلبه ، فاستخرج القلب ، فاستخرج منه علقة ، فقال : هذا حظ
الشيطان منك ، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ، ثم لأمه – أي جمعه وضم
بعضه إلى بعض – ثم أعاده في مكانه ، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه – يعني
ظئره – فقالوا : إن محمدا قد قتل ، فاستقبلوه وهو منتقع اللون . قال أنس :
وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره
خشيت حليمة على محمد بعد هذه الواقعة فردته إلى أمه . فلما بلغ ست سنين
سافرت به أمه إلى أخواله من بني عدي بن النجار تزيره إياهم ، ومعها حاضنته
أم أيمن وقيمها جده عبد المطلب ، فبقيت عندهم شهرا ثم رجعت ، وفي طريق
عودتها لحقها المرض فتوفيت بالأبواء بين مكة والمدينة . فرجع عبد المطلب
بمحمد بعد ذلك ليعيش معه بين أولاده ، فكان يكبره بينهم ويعطف عليه ويرق
لما زاد اليتيم يتما على يتمه ، إلى أن توفي عبد المطلب بمكة ومحمد ابن
ثماني سنوات ، ورأى قبل وفاته أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبو طالب شقيق
أبيه ، فكفله أبو طالب وضمه لأولاده وقدمه عليهم ، وظل يعزه ويحميه ويؤازره
ما يربو على الأربعين سنة ، يصادق ويخاصم من أجله حتى توفي في عام الحزن .
كان محمد في البداية يرعى الغنم في بني سعد ، وفي مكة لأهلها على قراريط ،
ثم سافر وعمره 9 سنوات -حسب رواية ابن هشام – مع عمه إلى الشام في التجارة ،
إلا أنه لم يكمل طريقه وعاد مع عمه فورا إلى مكة بعد أن لقي الراهب بحيرى
في بصري بالشام الذي أخبره أن هذا الغلام سيكون له شأن عظيم بعد أن وجد فيه
علامات النبوة ، وخشي عليه من أذى اليهود ، وإن كان يشكك البعض في صحة
لقاء الراهب .
لقب بمكة بالصادق الأمين ، فكان الناس يودعونه أماناتهم لما اشتهر به من
أمانة . لما أعادت قريش بناء الكعبة واختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود في
موضعه ، فاتفقوا على أن يضعه أول شخص يدخل عليهم فلما دخل عليهم محمد قالوا
جاء الأمين فرضوا به فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه وأمر كل قبيلة أن ترفع
بجانب من جوانب الثوب ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه .
* زواجه بخديجة :
بلغ خديجة بنت خويلد ، وهي امرأة تاجرة ذات شرف ومال عن محمد ما بلغها من
أمانته ، فبعثت إليه عارضة عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام ، وأعطته
أفضل ما أعطت غيره من التجار ، كما وهبته غلاما يدعى ميسرة ، خرج محمد مع
ميسرة حتى قدم الشام ، فاشترى البضائع ولما عاد لمكة باع بضاعته فربح الضعف
تقريبا . بعد عودته من رحلة تجارية إلى الشام وما جاء به من ربح عرضت
خديجة عليه الزواج فرضي بذلك ، وعرض ذلك على أعمامه ، ثم تزوجها بعد أن
أصدقها عشرين بكرة وكان سنها آنذاك أربعين سنة وهو في الخامسة والعشرين ،
ولم يتزوج غيرها حتى ماتت . أنجب من خديجة كل أولاده إلا إبراهيم فهو من
ماريه القبطية ، وهم القاسم وعبد الله وزينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، وفاطمة .
فأما القاسم وعبد الله فماتوا في الجاهلية وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام
فأسلمن وهاجرن معه . إلا أنهن أدركتهن الوفاة في حياته سوى فاطمة الزهراء
فقد ماتت بعده .
* دعوته :
كان حنيفا قبل الإسلام يعبد الله على ملة إبراهيم ويرفض عبادة الأوثان
والممارسات الوثنية . يؤمن المسلمون أن الوحي نزل عليه وكُلّف بالرسالة وهو
ذو أربعين سنة ، أمر بالدعوة سراً لثلاث سنوات ، قضى بعدهن عشر سنوات أخر
في مكة مجاهراً بدعوة أهلها وكل من يرد إليها من التجار والحجيج وغيرهم .
* نزول الوحي :
كان محمد يذهب إلى غار حراء في جبل النور على بعد نحو ميلين من مكة فيأخذ
معه السويق والماء فيقيم فيه شهر رمضان . وكان يختلي فيه قبل نزول القرآن
عليه بواسطة الوحي جبريل ويقضى وقته في التفكر والتأمل .
تذكر كتب السيرة النبوية أن الوحي نزل لأول مرّة على محمد وهو في غار حراء ،
حيث جاء الوحي جبريل ، فقال : اقرأ : قال : ” ما أنا بقارئ ” – أي
لا أعرف القراءة ، قال : “ فأخذني فغطَّني حتى بلغ منى الجهد ، ثم
أرسلني ” فقال : اقرأ ، قلت : ” ما أنا بقارئ ” ، قال : ” فأخذني
فغطَّني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ” فقال : اقرأ ، فقلت : ”
ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطَّني الثالثة ، ثـم أرسلني ” ، فقال : { اقرأ
باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم
بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم } ( سورة العلق : 1 – 5) ، فأدرك محمد
أن عليه أن يعيد وراء جبريل هذه الكلمات ، ورجع بها يرجف فؤاده ، فدخل على
زوجته خديجة ، فقال : ” زَمِّلُونى زملوني ” ، فزملوه حتى ذهب عنه
الروع ، فقال لزوجته خديجة : ” ما لي ؟ “ فأخبرها الخبر ، ” لقد
خشيت على نفسي ” ، فقالت خديجة : ” كلا ، والله ما يخزيك الله أبداً ،
إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقرى الضيف ، وتعين على
نوائب الحق ” ، فانطلقت به خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان حبراً
عالماً قد تنصر قبل الإسلام ، وكان يكتب الكتاب العبراني ، فيكتب من
الإنجيل بالعبرانية ، وكان شيخًا كبيراً فأخبره خبر ما رأى ، فقال له ورقة
: ” هذا الناموس الذي أنزله الله على موسى ” . وقد جاءه الوحي جبريل أخرى
جالس على كرسي بين السماء والأرض ، ففر منه رعباً حتى هوى إلى الأرض ،
فذهب إلى زوجه خديجة فقال : ” دثروني ، دثروني ، وصبوا علي ماءً بارداً ”
، فنزلت : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ
فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } ( المدثر :1-5 ) ،
وهذه الآيات هي بداية رسالته ثم بدأ الوحي ينزل ويتتابع لمدة ثلاثة وعشرين
عاماً حتى وفاته . وفي رواية وردت في طبقات ابن سعد وتاريخ الطبري وبلاغات
البخاري ؛ بعد وفاة ورقة بن نوفل كان الوحي يتقطع ، فيصاب محمد بحالة
إحباط وحزن شديدين حتى أنه يفكر في الانتحار بإلقاء نفسه من فوق قمم الجبال
، لكنه كلما كان يصل لقمة جبل ليلقي نفسه كان يتبدى له جبريل ويقول له : «
يا محمد ، إنك رسول الله حقا » فيهدأ ويتراجع ، لكنه كان يكررها كلما
انقطع الوحي
* بداية الدعوة :
ممن سبق إلى الإسلام خديجة بنت خويلد ، وابن عمه الإمام علي بن أبي طالب
وكان صبيا ابن عشر سنين يعيش في كفالة محمد وأسلم بعد النبوة بسنة , وقد
أسلم قبل الإمام أبو بكر ولكنه كان يكتم إسلامه أما الصحابي أبو بكر فكان
أول من أظهر الإسلام . جمع الرسول محمد أهله وأقاربه وعرض عليهم الإسلام
فلم يجبه إلا علي – ومولاه الصحابي زيد بن حارثة ، والصحابي أبو بكر
الصديق . أسلم هؤلاء في أول أيام الدعوة . واستمرت الدعوة سراً لمدة ثلاث
سنوات ثم نزل الوحي يكلف الرسول بإعلان الدعوة والجهر بها .
وفقا لابن سعد ، لم تعارض قريش محمد ودعوته إلا بعد أن نزلت آيات في ذم
الأصنام وعبادتها . في حين يتمسك مفسري القرآن وبعض كتاب السيرة بأن
المعارضة تزامنت مع بدأ الدعوة الجهرية للإسلام . كما كانت زيادة عدد
الداخلين في الإسلام تمثل خطرا على نظام الحياة الدينية في مكة ، مما يؤثر
سلبا على القوة الاقتصادية لقريش التي تستمدها من حماية الكعبة وخدمة
الحجيج وتوافدهم إلى المدينة ، فكانت دعوة محمد تعرض كل هذا للفناء . عرض
كبار تجار قريش على محمد التخلي عن دعوته – وفي رواية ابن سعد التوقف عن
شتم آلهتهم – في مقابل مشاركته التجارة ودخوله ضمن صفوفهم ، والزواج من
بناتهم لبناء مركزه بينهم ، بيد أنه رفض . فعرضوا عليه أن يعبد آلهتهم سنة
ويعبدون الله سنة بحسب تاريخ الطبري ، فأخبرهم أنه سينتظر أمر الله ، فنزلت
الآيات { قل يأيها الكافرون ، لا أعبد ما تعبدون } ، كما نزلت الآيات : {
قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون } إلى الآية : { بل الله فاعبد
وكن من الشاكرين } .
قالوا عن محمد : أنه مصاب بنوع من الجنون ، وقالوا : إن له جناً أو
شيطاناً يتنزل عليه كما ينزل الجن والشياطين على الكهان ، وقالوا شاعر ،
وقالوا ساحر ، وكانوا يعملون للحيلولة بين الناس وبين سماعهم القرآن ،
ومعظم شبهاتهم دارت حول توحيد الله ، ثم رسالته ، ثم بعث الأموات ونشرهم
وحشرهم يوم القيامة وقد رد القرآن على كل شبهة من شبهاتهم حول التوحيد .
لكنهم لما رؤوا أن هذه الأساليب لم تجد نفعاً في إحباط الدعوة الإسلامية
استشاروا فيما بينهم ، وقرروا القيام بتعذيب المسلمين ، فأخذ كل رئيس يعذب
من دان من قبيلته بالإسلام ، وتصدوا لمن يدخل الإسلام بالتعذيب والضرب
والجلد والكي ، حتى وصل التعذيب لمحمد نفسه وضربوه ورجموه بالحجارة في مرات
عديدة ووضعوا الشوك في طريقه .
لما اشتد البلاء على المسلمين أخبرهم الرسول محمد أن الله أذن لهم بالهجرة
إلى الحبشة في عام 615م ، فخرج الصحابي عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت
محمد ، وخرج الصحابي أبو حاطب بن عمرو ثم خرج الصحابي جعفر بن أبي طالب
فكانوا قرابة 80 رجلاً .
كما ذكر الطبري أن محمدا كان حريصا على صلاح قومه محبا لمقاربتهم ، وشق
عليه مقاطعة قومه له وإعراضهم عنه وقد نقل الطبري رواية عن ابن حميد عن
سلمه عن محمد بن كعب القرظي قيل فيها : ” أن النبي محمد تمنى أن ينزل الله
عليه ما يقرب بينه وبين قومه ، فكان يوما يصلي بالمسلمين بسورة النجم ،
فلما انتهى إلى : { أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى }{ وَمَنَاةَ
الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى } ( سورة النجم -20 ) ألقى الشيطان على لسانه
كلمات وهي : « تلك الغرانيق العلا وإن شافعتهن لترتجى » ، حتى أتم السورة
ثم سجد فسجد معه المسلمين وكل من كان في المسجد من قريش وكل من سمع بذلك ” .
وتقول الرواية أن محمد قام بالتراجع لاحقا عن ذلك الجزء وحزن وخاف خوفا
شديدا من الله لكنه عفا عنه وأنزل عليه الآيات : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ
قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى
الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي
الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }
( سورة الحج -52 ) . وقد فسر ابن كثير هذه الآية حيث قال ” أنه إذا تلي
النبي تلاوته ألقى الشيطان في مسامع المشركين فيرفع الله ويبطل ما ألقاه
الشيطان ويحكم آياته ” ، وتعرف تلك الحادثة بقصة الغرانيق ، التي ذكرها بعض
المؤرخين مثل ابن هشام والطبري وابن كثير الذي قال ” أن أصل الرواية من
الصحيح ، وقصة الغرانيق مرسلة وسندها غير صحيح ” ، لكن رواية الصحيح لم
تذكر بتاتا قصة الغرانيق ، في حين عارضها الكثير منهم ابن حزم حيث قال : «
والحديث الذي فيه : وأنهن الغرانيق العلا ، وان شفاعتهن لترتجى . فكذب بحت
لم يصلح من طريق النقل ولا معنى للأشتغال به ، إذ وضع الكذب لا يعجز عنه
أحد » وابن حجر الذي اعتبرها مرسلة وضعيفة . وقد ألف الألباني كتاب ” نصب
المجانيق لنسف قصة الغرانيق ” يرد هذه الرواية من جميع طرقها من حيث
الإسناد والمتن ، وصلت الأخبار للمسلمين بالحبشة أن قريشاً قد أسلموا –
نظرا لسجودهم – ، فقدم مكة منهم جماعة فوجدوا الاضطهاد مستمرا فمكثوا بمكة
إلى أن هاجروا إلى المدينة .
لما انتشر الإسلام وفشا اتفقت قريش على مقاطعة بني هاشم وبني المطلب ابني
عبد مناف فلا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا
إليهم محمد ، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة . فانحاز إلى الشعب
بنو هاشم وبنو المطلب مسلمين كانوا أو غير مسلمين إلا أبا لهب فإنه ظاهر
قريش . استمرت المقاطعة قرابة ثلاث سنوات فلم يقربهم أحد في الشعب . ثم سعى
في نقض تلك الصحيفة أقوام من قريش فكان القائم في أمر ذلك هشام بن عمرو
فأجابته قريش ، وأخبرهم محمد أن الله قد أرسل على تلك الصحيفة الأكلة فأكلت
جميع ما فيها إلا المواضع التي ذكر فيها الله .
توفي كل من خديجة وأبو طالب – أكبر مؤيدي ومساندي محمد – في عام 619 م
فسُمٍّي بعام الحزن . فتولى أبو لهب قيادة بني هاشم من بعد أبي طالب ،
وبعدها انحسرت حماية بني هاشم لمحمد ، وازداد أذى قريش له . مما دفعه
للخروج إلى الطائف ليدعوهم آملاً أن يؤوه وينصروه على قومه ، لكنهم آذوه
ورموه بالحجارة ورفضوا دعوته ولم يسلم إلا الطفيل بن عمرو الدوسي الذي دعا
قومه فأسلم بعضهم وأقام في بلاده حتى فتح خيبر ثم قدم بهم في نحو من ثمانين
بيتاً . عاد محمد إلى مكة تحت حماية المطعم بن عدي . وفقاً للمعتقد
الإسلامي فإن الملائكة عرضت على النبي محمد أن يهلكوا أهل الطائف إلا أنه
رفض وقال : « عسى أن يخرج من أصلابهم أقوام يقولون ربنا الله » .
* الإسراء والمعراج :
في عام 620 م وبينما محمد يمر بهذه المرحلة ، وأخذت الدعوة تشق طريقها وقع
حادث الإسراء والمعـراج ، حيث يؤمن المسلمون أن الله أسرى بمحمد من
المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى راكباً على البُرَاق ، بصحبة جبريل ، فنزل
هناك ، وصلى بجميع الأنبياء إماماً ، وربط البراق بحلقة باب المسجد . ثم
عرج به تلك الليلة من بيت المقدس إلى السماء فاستفتح له جبريل ففتح له ،
فرأي هنالك آدم أبا البشر ، فسلم عليه ، فرحب به ورد ، وأقر بنبوته ، ثم
قابل في كل سماء نبي مثل يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم ، يوسف ، إدريس ،
هارون وموسى وإبراهيم ثم عرج به إلى الله ، وفرضت الصلوات في هذه الليلة
التي خففت إلى خمس صلوات بعد أن كانت خمسين صلاة . حسب رأي ابن إسحاق – أول
رواة السيرة النبوية – فإن الله أسرى بروح الرسول فقط ، أي أنها كانت رحلة
روحية ؛ بينما يرى بعض المؤرخين أن محمد سافر بجسده وروحه .
بعدما أصبح محمد من يومه أخبر قومه بما حدث لكنهم كذبوه ، لم يصدقه سوى من
آمن بدعوته مثل أبو بكر ، فيروى أن الوثنيين طلبوا من محمد وصف المسجد
الأقصى ومحمد لم يراه بوضوح في الليل ، ولم يراه من قبل ، فأتى جبريل
بالمسجد الأقصى بين يديه وقال له صف يا محمد ، فكان كلما وصف قال أبو بكر
صدقت .
* الهجرة :
بدأ محمد يعرض نفسه في مواسم الحج على قبائل العرب يدعوهم إلى الله
ويخبرهم أنه نبي مرسل ويسألهم أن ينصروه ويمنعوه حتى يبلغ ما أرسله الله به
للناس . ولما كانت السنة 11 من النبوة ، جاء ستة من شباب يثرب إلى مكة في
موسم الحج . وقد كان يتحدث اليهود في يثرب عن نبي منهم مبعوث في ذلك الزمان
يخرج فيتبعونه ويقتلون أهل يثرب . وعد الشباب الرسول بإبلاغ رسالته إلى
قومهم . وعاد في موسم الحج التالي اثنا عشر رجلاً ، التقى بهم النبي عند
العقبة فبايعوه ما اصطلح على تسميته بيعة العقبة الأولى .
وفي موسم الحج للسنة الثالثة عشرة من النبوة ( يونيو سنة 622م ) حضر لأداء
مناسك الحج بضع وسبعون شخصاً من المسلمين من أهل يثرب . لما قدموا مكة جرت
بينهم وبين النبي اتصالات سرية أدت إلى الاتفاق على هجرة محمد وأصحابه إلى
يثرب ( والتي ستحمل اسم المدينة المنورة ) وعرف ذلك الاتفاق ببيعة العقبة
الثانية . أذن الرسول محمد للمسلمين بالهجرة إلى المدينة . وأخذ المشركون
يحولون بينهم وبين خروجهم ، فخرج من استطاع . حتى لمْ يبق مع محمد بمكة إلا
أَبو بكرٍ وعلي بن أبي طالب . حسب مصادر التراث ، أن المشرِكون اجتمعوا
بدار الندوة واتفقوا على أن يأتوا من كل قبيلة بشاب قوي ، يضربوه ضربة رجل
واحد فيتفرق دم محمد بين القبائل . تم تنفيذ ذلك واجتمعوا الشباب عِند بابه
، لكنه خرج من بينِ أَيديهِم لم يره منهم أَحد . وترك علي بن أبي طالب في
مكانه ليؤدي الأَمانات التي عنده ، ثمَّ يلْحق به .
ذهب محمد إِلى دارِ أَبِي بكرٍ ، وكان أَبو بكرٍ قد جهز راحلتين للسفر ،
فأَعطاها محمد لعبد الله بن أُرَيْقِط ، على أَنْ يوافيهِما في غار ثور بعد
ثلاث ليالٍ ، وانطلق الرسول وأَبو بكرٍ إِلَى الغار ، ولم يستطع المشركين
إيجادهما ويؤمن المسلمون أن لذلك تدّخل من عند الله ، وفي يومِ الاثنين
العاشر من شهر ربيع الأول سنة 622م دخل محمد المدينة مع صاحبه الصديق ،
فخرج الأَنصار إِليه وحيوه بتحية النبوة .
* حياته في المدينة :
* تأسيس الدولة الإسلامية :
عانت يثرب قبل وصول محمد من صراعات دامت قرابة مائة عام بين القبائل
المختلفة التي تعيش بها ، كانت آخرها حرب بُعاث التي شاركت فيها كافة
القبائل . فأدرك قادة قبائل المدينة حاجتهم لقائد موحد ينظم العلاقات بين
القبائل ويعمل على فض النزاعات ، مما دفعهم للقبول بمحمد كقائد للمدينة
وتوفير الدعم والحماية له ولأتباعه المهاجرين .
مكث محمد في قباء أربعة عشر يوماً حسب الروايات ، وانتظر محمد على مشارف
المدينة إلى حين وصول علي بن أبي طالب ، وحين وصل استقبله النبي مكث معه
ليلة أو ليلتين في بيت كلثوم بن هدم – وفي رواية علي بن أبي طالب مكثوا في
بيت امرأة مسلمة لا زوج لها – ثم نزل إلى المدينة .
وكانت أول خطوة خطاها محمد في المدينة هي أمره ببناء المسجد النبوي حيث
بركت ناقته . قام محمد بما عرف بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، واختار
كل أنصاري أحد المهاجرين ليكون أخا له يأويه في بيته في خطوة توصف بأنها
تهدف لإذابة العصبيات القبلية وترسيخ مبدأ التكافل الاجتماعي ، فكان
الأنصار يقتسمون أموالهم وبيوتهم بل وقيل حتى الزوجات مع إخوانهم من
المهاجرين ، بل ووصل الأمر لأنهم كانوا يتوارثون بهذا الإخاء في ابتداء
الإسلام إرثاً مقدما على القرابة .
قام محمد بصياغة وثيقة عرفت بدستور المدينة ، كانت أشبه بوثيقة تحالف بين
العشائر والطوائف المختلفة بداخل المدينة وتحدد حقوق وواجبات المواطنين
بالمدينة . وقد احتوت الوثيقة اثنان وخمسون بندا ، خمسة وعشرون منها خاصة
بأمور المسلمين وسبعة وعشرون مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الأديان
الأخرى ، ولاسيما اليهود وعبده الأوثان . وقد دون هذا الدستور بشكل يسمح
لأصحاب الأديان الأخرى بالعيش مع المسلمين بحرية ، ولهم أن يقيموا شعائرهم
حسب رغبتهم ، كما نص على تحالف القبائل المختلفة في حال حدوث هجوم على
المدينة ، على الرغم من التأكيد على الاستقلال المالي للقبائل المختلفة .
كان أغلب الوثنيين في المدينة قد تحولوا إلى الإسلام ، حتى كبار القادة
منهم مثل سعد بن معاذ ، ولكن تبقى أقلية صغيرة من الوثنيين لم يكن لها
تأثير واضح . إلا أن تلك الأقلية كانت معارضة لانتشار الإسلام ، فبحسب
الواقدي قام بعض الشعراء الذين بقوا على وثنيتهم وهم عصماء بنت مروان وأبي
عفك بتنظيم شعر في هجاء الرسول فأمر بقتلهما .
* بداية النزاع العسكري :
روى مسلم عن بريده بن الحصيب الأسلميأن محمد قام بتسع عشرة غزوة قاتل في
ثمان منهن . عن زيد بن أرقم : « غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة
غزوة كنت معه في سبع عشرة » . وأما محمد بن إسحاق فقال : « كانت غزواته
التي خرج فيها بنفسه سبعا وكانت بعوثه وسراياه ثمانيا وثلاثين » وزاد ابن
هشام في البعوث على ابن إسحاق .
* الصراع مع مكة :
في رمضان من السنة الثانية للهجرة الموافق مارس عام 624م ، خرج 300 من
المسلمون بقيادة محمد ليعترضوا قافلة تجارية لقريش يقودها أبو سفيان ،
فلمًّا علم بهم أبا سفيان غَيّرَ طريقه إلى الساحل وأرسل إلى أهل مكة
يستنفرهم ، فخرجوا فيما يقارب ألف مقاتل لمحاربة المسلمين والتقى الجمعان
في غزوة بدر في 17 رمضان سنة اثنتين للهجرة . وانتصر جيش المسلمين وقُتِل
من المكيين حوالي 70 قتيلا منهم أبو جهل عمرو بن هشام المخزومي سيد قريش ،
في حين قتل من المسلمين ما لا يتجاوز أربعة عشر قتيلا . ذلك بالرغم من
التفوق العددي لجيش مكة . كما تم أسر 70 من فردا من قوات جيش مكة ، تم
إطلاق سراح الكثير منهم مقابل فدية .
لاحقا قام محمد بطرد يهود بني قينقاع – أحد القبائل اليهودية الرئيسية
الثلاثة في المدينة – إثر قيام أحدهم بكشف عورة إحدى المسلمات في أحد
الأسواق ، فقام أحد المسلمين بقطع رأسه ، فتكالب عليه يهود من بني قينقاع
حتى قتلوه بحسب رواية ابن إسحاق ، فحاصرهم المسلمون خمسة عشر ليلة .
سعت قريش للانتقام إثر هزيمتها في غزوة بدر ، بسبب قتلاها في معركة بدر
فجمعت من كنانة وغيرها من القبائل فخرجوا في 3000 مقاتل في 15 شوال من سنة 3
للهجرة . لما بلغ خبرهم للمحمد اجتمع بأتباعه لوضع خطة الحرب فاقترح البعض
أن يبقوا بالمدينة والتحصن بمعاقلها ، واقترح بعض الشباب بالخروج
لمواجهتهم خارج المدينة ، فمال محمد إلى الرأي الأخير وخرج بالمسلمين إلى
أُحد . وبحسب التراث ؛ انسحب عبد الله بن أبي بن سلول وثلاثمائة من أتباعه
في الطريق وعادوا إلى المدينة ، في حين تابع المسلمون سيرهم إلى أحد ونزلوا
في موقع بين جبل أحد وجبل صغير ، ووضع محمد الرماة على جبل عينين وأمرهم
أن لا يغادروا مواقعهم حتى يأمرهم بذلك مهما كانت نتيجة المعركة ، وبدأت
المعركة في 23 مارس . حاول فرسان جيش مكة بقيادة خالد بن الوليد اختراق
صفوف المسلمين من ميسرتهم فصدهم الرماة ، وقتل عشرة من حملة لواء المشركين ،
وسقط لواؤهم ودب الذعر في صفوفهم وبدؤوا في الهرب ، وتبعهم بعض المسلمين
فاضطربت صفوفهم ، ورأى الرماة هرب المشركين فظنوا أن المعركة حسمت لصالح
المسلمين فترك معظمهم مواقعهم ، ونزلوا يتعقبون المشركين ويجمعون الغنائم
ولم يلتفتوا لتحذيرات قائدهم ، واستغل خالد بن الوليد هذه الحال ، فالتف
على الجيش وتغيرت موازين المعركة ، وأثناء ذلك ، أشيع أن محمد قتل ، وانسحب
محمد بمجموعة من الصحابة الذين التفوا حوله إلى قسم من جبل أحد وحاول
المكيين الوصول إليه ففشلوا ويئسوا من تحقيق نتيجة أفضل فأوقفوا القتال
مكتفين بانتصارهم هذا . قتل مجموعة كبيرة من المسلمين من ضمنهم حمزة بن عبد
المطلب عم محمد الذي يلقبه المسلمين السنة ” سيد الشهداء ” .
بعد معركة أحد كثف أبو سفيان جهوده لتشكيل تحالف من القبائل العربية لقتال
محمد ، في المقابل كانت سياسة محمد منع تشكيل ذلك التحالف قدر المستطاع ،
فقام بقتل كعب بن الأشراف زعيم يهود بني النضير الذي قام بتنظيم شعر يستنفر
قريش ويدعوهم لقتال محمد انتقاما لقتلاهم في بدر وأحد . وبعد ذلك بعام قام
محمد بطرد بني النضير من المدينة .
* حصار المدينة :
بمساعدة من يهود بني النضير المنفيين ، استطاع أبو سفيان حشد 10000 من
الرجال من مختلف قبائل العرب ، وتوجه بهم نحو المدينة . أعد محمد قوة
قوامها 3000 مقاتل لمواجهة الغزو ، واستخدم أسلوب جديد لم يكن معروفا في
شبه جزيرة العرب في ذلك الحين ، حيث أخذ بمشورة سلمان الفارسي وقام بحفر
خندق حول المدينة وأضرم فيه النيران . حينما وصل تحالف العرب إلى المدينة
يوم 31 مارس 627م وفوجئوا بالخندق فقرروا محاصرة المدينة . استمر الحصار
لمدة أسبوعين ، بعدها قرروا العودة إلى ديارهم . يذكر بالقرآن أن الله أرسل
على الأحزاب ريح شديدة اقتلعت خيامهم ومعداتهم مما دفعهم للرحيل .
في أثناء الحصار كان يهود بني قريظة قد دخلوا في مفاوضات مع قوات التحالف
حول السماح لهم الدخول للمدينة من الجزء الخاص بهم والقتال في صفوفهم ، لكن
المفاوضات فشلت بسبب حيلة استخدمها أحد أصحاب محمد لزرع عدم الثقة بين
الجانبين . بعد انتهاء المعركة اتهم المسلمون بني قريظة بالخيانة وقاموا
بحصارهم 25 يوما , بعدها أعلن بنو قريظة استسلامهم واعترفوا بما حدث . فقام
محمد بتحكيم سعد بن معاذ فيهم فحكم بقتلهم وتفريق نسائهم وأبنائهم عبيدا
بين المسلمين . أمر محمد بتنفيذ الحكم وتم إعدام ما بين 700 إلى 900 شخص ،
واستثني من ذلك من اختار الدخول في الإسلام . من نتائج غزوة الأحزاب كذلك
أن خسرت قريش تجارتها مع الشام نتيجة ضياع هيبتها بهزيمتها أمام محمد .
بعد غزوة الأحزاب قام محمد بعمل حملتين عسكريتين إلى الشمال انتهتا بدون
قتال . ولكن في طريق العودة من واحدة منهما تم توجيه تهمة الزنا لعائشة بنت
أبي بكر زوجة محمد . بعدها بشهر تمت تبرئة عائشة بآيات قرآنية نزلت على
محمد ، وتمت معاقبة من خاضوا في عرضه بالجلد ، كما نصت الآيات على ضرورة
وجود 4 شهود إثبات على جريمة الزنا لكي تثبت .
* صلح الحديبية :
في شهر شوال ، في عام 628م ، أمر محمد أتباعه باتخاذ الاستعدادات لأداء
مناسك العمرة في مكة . فتحرك معه قرابة 1400 من المسلمين . حين سمعت قريش
بتحركهم ، بعثوا قوة مؤلفة من 200 فارس لوقفهم . لكن محمد اتخذ طريق أكثر
صعوبة وتفادى مواجهتهم ، ووصل إلى الحديبية على مقربة من مكة . أرسل محمد
عثمان بن عفان لقريش ليخبرهم أن المسلمين أتوا للعمرة وليسوا مقاتلين ،
وحينما تأخر في مكة سرت إشاعة بأنه قتل على يد قريش . فقرر محمد أخذ البيعة
من الحجاج على قتال قريش فيما عرف ببيعة الرضوان . خلال هذا وصلت أنباء عن
سلامة عثمان ، فاستمرت المفاوضات مع قريش والتي أسفرت عن توقيع معاهدة
عرفت بصلح الحديبية ، ونصت بنودها على عدم أداء المسلمين للعمرة هذا العام
على أن يعودوا لآدائها العام التالي ، كما نصت على أن يرد المسلمين أي شخص
يذهب إليهم من مكة بدون إذن ، في حين لا يرد المكيون من يذهب إليهم من
المدينة . واتفقوا أن تسري هذه المعاهدة لمدة عشرة سنوات ، وبإمكان أي
قبيلة أخرى الدخول في حلف أحد الطرفين لتسري عليهم المعاهدة .
كثير من المسلمين كانوا غير راضين عن بعض بنود المعاهدة حيث رأوها ظالمة
للمسلمين . ومع ذلك ، فإن سورة الفتح ( القرآن 48:1- 29) احتوت ثناءاً على
المسلمين الذين بايعوا محمد على القتال ، كما وصفت الصلح بالفتح المبين .
يقول ألفورد ولش أن وقت لاحق أن أتباع محمد من شأنه تحقيق الفائدة وراء هذه
المعاهدة ؛ وهذه المزايا تشمل إجبار المكيين على الاعتراف محمد كشريك وند
على قدم المساواة معهم ، ووقف الاقتتال لمدة طويلة من الزمن ، واكتساب
إعجاب بعض المكيين بإقرار شعيرة الحج في الإسلام .
توّجه محمد إلى خيبر ومعه ألف وست مئة مقاتل من المسلمين في مطلع ربيع
الأول من العام السابع الهجري ، وأحاط محمد تحركه بسرية كاملة لمفاجئة
اليهود . فوصل منطقة تدعى رجيع تفصل بين خيبر وغطفان وفي الظلام حاصر
المسلمون حصون خيبر واتخذوا مواقعهم بين أشجار النخيل . وفي الصباح بدأت
المعارك . حتى سقطت آخر حصونهم على يد سرية بقيادة علي ابن أبي طالب .
فاتفق معهم محمد على أن يعطوه نصف محصولهم كل عام على أن يبقيهم في أراضيهم
.
كما بعث محمد رسائل للعديد من الحكام في العالم ، داعيا إياهم إلى اعتناق
الإسلام . فأرسل رسله إلى هرقل الإمبراطورية البيزنطية ( الإمبراطورية
الرومانية الشرقية ) ، كسرى فارس ، ومقوقس مصر وبعض البلدان الأخرى . وفي
السنوات التي أعقبت صلح الحديبية ، أرسل محمد قواته إلى الشمال فالتقوا مع
القوات الرومانية في غزوة مؤتة ، لكنهم انهزموا بسبب الفارق العددي الكبير .
*فتح مكة :
دخلت قبيلة خزاعة في حلف مع محمد فسرت عليها بنود الصلح ، في حين تحالف
أعدائهم بني بكر مع مكة . بعد الصلح بعامين ؛ شن بنو بكر غارة ليلية على
خزاعة فقتلوا عدد منهم . وكانت قريش قد أعانت بني بكر بالسلاح وقاتل معهم
جماعة منهم . فذهب عمرو بن سالم الخزاعي للاستنصار بمحمد الذي بعث برسالة
إلى مكة وعرض عليهم فيها خيارات ثلاثة : إما دفع دية القتلى بين قبيلة
خزاعة ، أو أن تتنصل أنفسهم من بني بكر وإنهاء تحالفهم معهم ، أو اعتبار
صلح الحديبية منتهي . أجابت قريش أنها لن تقبل سوى الشرط الأخير . ولكن
سرعان ما أدركوا خطأهم وأرسلوا أبو سفيان لتجديد المعاهدة ، وهذا ما تم
رفضه من قبل محمد . وأمر محمد بتجهيز الجيش والتحرك نحو مكة ولعشر خلون من
شهر رمضان 8 هـ سنة 630م ، غادر محمد المدينة متجهاً إلى مكة ، في عشرة
آلاف مقاتل ، ونودي بمكة « من دخل منزله فهو آمن ومن دخل الحرم فهو آمن ومن
دخل دار أبي سفيان فهو آمن » . فدخل مكة بدون قتال ، وأعلن عفوا عاما عن
كل أهل مكة ، باستثناء عشرة منهم ممكن قاموا بتنظيم الشعر لهجائه . أعتنق
معظم أهل مكة الإسلام ، وقام محمد في وقت لاحق بتدمير جميع تماثيل الآلهة
العربية بداخل وحول الكعبة .
* الصراع مع القبائل العربية :
بعد وقت قصير من فتح مكة ؛ تحالفت قبائل هوازن وثقيف وبني هلال ضد
المسلمين . والتقى الفريقان في غزوة حنين ؛ حيث قرر القائد جيشي هوازن
وثقيف مالك بن عوف أن يسوق مع الجيش الأموال والعيال والنساء ليزيد ذلك من
حماس جنوده في القتال ويجعلهم يقاتلون حتى الموت ، إن لم يكن للنصر فللدفاع
عن الحرمات . وكان جيش المسلمين كبيراً بشكل أدخل الغرور في قلوب بعض
المسلمين ، حتى كان بعضهم يقول لن نهزم اليوم من قلة . ولكن في طريقهم إلى
جيش هوازن وثقيف كان مالك قد نصب لهم كمين في وادي حنين أصاب المسلمين
بالصدمة والارتباك ، وأشيع أن محمد قتل ، فبدأ المسلمون في الفرار والتراجع
، لكن محمدا استطاع أن يعيد الثقة لجنوده وحول الهزيمة إلى نصر ، وسرعان
ما فر المتبقي من جيشي هوازن وثقيف في أماكن مختلفة .
وقعت غزوة تبوك في رجب سنة 9 هـ في أعقاب فتح مكة وانتصار المسلمين في
الطائف ، فوصلت محمدا أخبار من بلاد الروم تفيد أنَّ ملك الروم وحلفاءه من
العرب من لخم وجذام وغسان وعاملة قد هيأ جيشاً لمهاجمة الدولة الإسلامية
قبل أن تصبح خطراً على دولته . فما كان من محمد أن أرسل إلى القبائل
العربية في مختلف المناطق يستنفرهم على قتال الروم ، فاجتمع له حوالي
ثلاثين ألف مقاتل تصحبهم عشرة آلاف فرس . وبعد أن استخلف محمدٌ سباع بن
عرفطة أو عبد الله بن أم مكتوم على المدينة ، وعلي بن أبي طالب على أهله ،
بدأ الجيش تحركه ، وقطعوا آلاف الأميال عانوا خلالها العطش والجوع والحر
ومن قلّة وسائل الركوب ، وقد سميت الغزوة ” غزوة العسرة ” ، وقيل أنَّها
جاءت عسرة من الماء وعسرة من الظهر ، وعسرة من النفقة .
وبعد عام من معركة تبوك ، بعث بنو ثقيف مبعوثين إلى المدينة المنورة
للاستسلام لمحمد والدخول في الإسلام . وقدمت العديد من القبائل العربية
لمحمد لإعلان الدخول في الإسلام والتحالف مع محمد فيما عرف بعام الوفود .
ومع ذلك ، فإن البدو كانوا غرباء على نظام الإسلام ويريدون الحفاظ على
استقلاليتهم ، والعادات والتقاليد التي درجوا عليها . فكان محمد مطالبا
بالتوصل إلى اتفاق عسكري وسياسي ينص على أن تعترف القبائل بسلطة المدينة ،
والامتناع عن الاعتداء على المسلمين وحلفائهم ، ودفع الزكاة ، والولاية
الدينية للمسلمين .
* حجة الوداع :
في الخامس من شهر ذي القعدة من السنة العاشرة للهجرة أعلن الرسول محمد عن
عزمه أداء مناسك الحج ، فخرج معه حوالي مئة ألف من المسلمين من الرجال
والنساء ، وقد استعمل على المدينة أبا دُجانة الساعدي الأنصاري ، وأحرم
للحج ثم لبّى قائلاً : ” لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن
الحمدَ والنعمةَ لك ، والملك ، لا شريك لك ” . وبقي ملبياً حتى دخل مكة ،
وطاف بعدها بالبيت سبعة أشواط واستلم الحجر الأسود وصلّى ركعتين عند مقام
إبراهيم وشرب من ماء زمزم ، ثم سعى بين الصفا والمروة ، وفي اليوم الثامن
من ذي الحجة توجه إلى منى فبات فيها . وفي اليوم التاسع توجه إلى عرفة فصلى
فيها الظهر والعصر جمع تقديم في وقت الظهر، ثم خطب خطبته التي سميت فيما
بعد خُطبة الوداع . وفي هذه الخطبة ، حث محمد على نبذ جميع النزاعات
الدموية القديمة والعصبيات القبلية والعرقية ، وطالب الجميع بالتوحد كأمة
واحدة . وتعليقا على ضعف المرأة في مجتمعه ، أوصى محمدا أتباعه بالنساء
وحثهم على حسن معاملتهم والرفق بهم . محمد أيضا تناول مسألة الميراث ، كما
أكد على قدسية أربعة أشهر القمرية في كل عام . ووفقا للمفسرين السنة ، نزلت
الآية القرآنية التالية في هذا الحادث : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت
عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } في حين يشير مؤرخي إلى تعيين محمد
لعلي بن أبي طالب كخليفة له عند غدير خم ، وبايعه كافة من كان معهم من رجال
ونساء .
بعض الذي جاء في خطبة الوداع ما يأتي :
روي عن مسلم بن الحجاج في صحيحة :
إن دمائكم وأموالكم حرامٌ عليكم ، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا ، في
بلدكم هذا ، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوعٌ ، ودماء الجاهلية
موضوعةٌ ، وإن أول دم أضعُ من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعاً
في بني سعد فقتله هُذيل . وربا الجاهلية موضوعٌ ، وأول ربا أضع ربانا ، ربا
عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله ، فاتقوا الله في النساء ، فإنكم
أخذتموهم بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله . ولك عليهن أن لا
يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح . ولهن
عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف . وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم
به ، كتاب الله وأنتم تُسألون عنّي ، فما أنتم قائلون ؟ قالوا نشهد أنك قد
بلغت وأديت ونصحت . فقال بإصبعه السبابة ، يرفعها إلى السماء وينكتها إلى
الناس : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، ثلاث مرات .
* وفاته :
في صفر سنة 11 هـ أصيب النبي محمد بالحمى واتقدت حرارته ، حتى إنهم كانوا
يجدون سَوْرَتَها فوق العِصَابة التي تعصب بها رأسه . وقد صلى الرسول محمد
بالناس وهو مريض 11 يوماً وثقل به المرض ، وطلب من زوجاته أن يمرَّض في
بيت عائشة فانتقل إلى بيت عائشة يمشي بين الفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب
. بل يوم من وفاته أعتق غلمانه ، وتصدق بستة أو سبعة دنانير كانت عنده ،
وطفق الوجع يشتد ويزيد . وتقول بعض الروايات أنه مات بسبب سم دسه له يهود
بخيبر في طعامه ، فبحسب رواية البخاري أنه قال : “ يا عائشة ، ما أزال
أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر ، فهذا أوان وجدت انقطاع أبْهَرِي من ذلك
السم ” . توفي محمد في ضحى من يوم الاثنين ربيع الأول سنة 11 هـ ، وقد
تم له ثلاث وستون سنة . وهذا يوافق 13 نيسان 634م ، أو 8 يونيو / حزيران
632م حسب دراسات أخرى . وقد دفن ببيت عائشة بجانب المسجد النبوي .