لما سمعت هوازن برسول الله صلى الله عليه و سلم وما فتح الله عليه من مكة
راعهم انتصار المسلمين ، وكانت هوازن قوة كبيرة بعد قريش فلم تخضع لما خضعت
له قريش واردات أن يكون لها الفضل في التصدي لقتال المسلمين واستصال
شأفتهم فيقال إن هوازن استطاعت ما لم تستطعه قريش وكان قبائل هوازن تقع على
بعد بضعة عشر ميلا من مكة من جهة عرفات وقام مالك بن عوف النضري – سيد
هوازن – فنادي بحرب الرسول صلى الله عليه و سلم واجتمع إليه مع هوازان ثقيف
كلها ونصر وحثم كلها وسعد بن بكر وناس من هلال-تبعد عن مكة 120 كم و أهم
مدنها الطائف – و سعد بن بكر بجوارها و هما في الجنوب الشرقي من مكة
واجمعوا السير الى الرسول صلى الله عليه و سلم وبلغ من عنادهم وتحديهم إنهم
جمعوا أموالهم ونساءهم وأبناءهم وأنعامهم في مؤخرة الجيش عند ( اوطاس )
ليكون ذلك حافزا لهم على الثبات والاستماتة في القتال وذهب إلى دريد بن
الصمة وكان شيخا كبيرا مجربا مشهوراً بأصالة الرأي والحكمة فيهم يسألونه
الرأي والمشورة فلما سمع دريد رغاء البعير وثغاء الشاه وبكاء الصغير سأل عن
سبب خروج المقاتلين ومعهم أموالهم وأبناءهم ونساءهم فقال له مالك بن عوف
قائدهم أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله ليقاتل عنهم فزجره دريد
وأخبره أنه لا يرد المنهزم شئ وقال له إن كانت الحرب لك لم ينفعك إلا رجل
بسيفه ورمحه وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ولم يأبه مالك بن عوف لقول
دريد ومشورته و قال مالك للناس : إذا رأيتم المسلمين فاكسروا جفون سيوفكم
ثم شدوا شدة رجل واحد وبلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم خبرة هذه
الاستعدادات فقرر على الفور أن يبدأ بمهاجمتهم وخرج إليهم من مكة يوم السبت
6 شوال سنة ثمان من الهجرة على رأس جيش يبلغ عدده اثني عشر ألفا من بينهم
ألفان من أهل مكة ومنهم من هو حديث العهد بالإسلام ومنهم من لم يسلم –
واستعار رسول الله من صفوان ابن أمية أدرعا وسلاحا وهو يومئذ مشرك ومضى
رسول الله بجيشه الكبير يريد لقاء هوازن ونظر بعض المسلمين فوجد أن عدد
الجيش كبيراً لم يبلغه في غزوة قبل ذلك فقالوا : لن نغلب اليوم عن قلة
وكانت هوازن و أحلافها قد رسموا خطتهم على الاستفادة من طبيعة البلاد
فعسكروا في وادي حنين وكمنوا لهم في شعابه و أمنائه ومضايقه بحيث لا يراهم
الداخل إلى الوادي وقد أجمعوا وتهيئوا واستعدوا وربضوا في أماكنهم طوال
الليل في انتظار مرور جيش المسلمين إلى حنين وكان على المسلمين ليذهبوا
إليهم أن يجتازوا هذه المضايق والأنحاء و الشعاب .
وسار جيش المسلمين حتى أقترب من مدخل وادي حنين فتقدم المسلمون إلى مدخله
وهم ينحدرون فيه انحدارا في ظلام الصبح ففاجأهم كمين العدو الذي كان
مستتراً في شعاب الوادي ومضايقة ورشقوهم بالنبال وأصلتوا عليهم السيوف
وشدوا عليهم شدة رجل واحد فانزعج المسلمون لهول المفاجأة وانتشر عامة الناس
راجعين لا يلوى منهم أحد على أحد وضاق عليهم المهرب فارتطموا في الظلام
بما وراءهم من الصفوف فاختلط الحابل بالنابل ولجأ أكثرهم إلى الفرار ولما
رأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم من مسلمة الفتح والذين لما
يدخل الإيمان في قلوبهم هذه الهزيمة شمت بعضهم وتكلم رجال منهم بما في
أنفسهم من الضغن فقال أبو سفيان : ولا ينتهي هزيمتهم دون البحر وقال آخر :
ألا بطل السحر اليوم ، وحاول شيبة بن طلعة قتل رسول الله صلى الله عليه
وسلم فذهب إليه ليقتله ولكن الله لم يمكنه منه وناداه الرسول فمسح صدره ثم
قال : اللهم أعذه من الشيطان .
يقول شيبة : فو الله لقد كان ساعتئذ أحب إلى من سمعي وبصري ونفسي وأذهب الله ما كان في نفسي .
أما رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد ثبت مع قلة من أصحابه لا يتزحزح وأخذ يحاول جاهدا جمع قواته المبعثرة وهو يقول :
أنا ابن عبد المطلب أنا النبي لا كذب
هلموا إلى أيها الناس أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله وجعل العباس
ينادي يا معشر الأنصار يا أصحاب الشجرة – يعنى شجرة الرضوان – فأجابوا لبيك
وكان رجلا صيتا قال فيذهب الرجل ليأتي بعيره فلا يقدر على ذلك يمنعه كثرة
الأعراب المهزومين فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ويأخذ سيفه وقوسه وترسه
ويقتحم عن بعيره ويخلى سبيله ويؤم الصوت حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله
عليه و سلم حتى إذا اجتمع إليه منهم طائفة قام الرسول بهجوم مضاد فاقتتلوا
قتالاً عنيفاً ونظر الرسول إلى هذا القتال الضاري فقال : الآن حمي الوطيس
ثم اخذ رسول الله حصيات فرمى بها وجوه الكفار ثم قال : انهزموا ورب محمد
فما هو إلا أن رماهم يقول العباس فمازلت أرى جندهم كليلا وأمرهم مدبراً
وأنزل الله تبارك وتعالى ملائكته بالنصر فامتلأ بهم الودي وتمت هزيمة هوازن
وذلك قوله تعالى :{ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ
وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ
شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم
مُّدْبِرِينَ { 25 } ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ
وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ
الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ } سورة التوبة – آية
25- 26 .
وغنم المسلمون في الغزوة غنائم كبيرة كانت أعظم غنيمة حصل عليها المسلمون
إلي هذا الوقت فقد بلغ ما جمعه المسلمون كما يروي ستة آلاف من الذرارى
والنساء , والإبل أربعة وعشرون ألفا , والغنم أكثر من أربعين ألف شاه ,
وأربعة آلاف أوقية من الفضة ، وأمر الرسول صلى الله عليه و سلم أن ترسل هذا
الغنائم إلى ( الجعرانة ) فحبست بها حيث بقيت بها إلى أن عاد الرسول من
حصار الطائف, ويمكننا أن نقول أن غزوة حنين وهزيمة هوازن كانت آخر مقاومة
كبيرة قاومها العرب للرسول والمسلمين وشرح الله صدورهم للدخول في الإسلام
بعد ذلك .