مات الاب ليحيا الابناء
في احدى العمارات الشاهقة كان يسكن رجل مع
اولاده وقد خصص حياته لخدمتهم والعناية بهم بالاخص بعد وفاة والدتهم وكان
لهم بمثابة الاب والام معا. وذات يوم اندلعت النيران في احد الطوابق وبدات
السنتها تنتشر حتى كادت ان تغطي العمارة باكملها وعلى اثر ذلك فتح الاب باب
الشقة لينجو من الخطر الداهم هو و اولاده. ولكن كيف؟
ها هو يرى السلم
وقد اشتعل بالنيران وتغطى بدخانها، خرج الى الشرفة لعله يجد وسيلة للنجاة
فاذا به يرى السنة النيران تقترب نحوه والكل حوله يصرخ بصرخات الاستغاثة.
اصبح الفزع والخوف والموت يهدد الجميع لاوقت للتفكير ماذا يفعل الجميع في
مواجهة الخطر المحدق بهم؟ لم يستسلم الاب للياس اذ سرعان ماخطرت له فكرة
غريبة وهو ان يلقي بنفسه ليمسك بحديد الشرفة الامامية لمنزل مواجه له وهي
لاتبعد عنه بضعة اشبار بينما تظل قدماه مستندة على جدار شرفته وهكذا يعمل
من جسمه جسر وعن طريقه يتمكن اولاده من السير عليه متجهين الى المنزل فتتم
نجاتهم ولو يكن الاب يفكر بنفسه او مصيره بقدر ما كان يفكر في نجاة اولاده.
ونفذ الاب فكرته بمنتهى السرعة ونادى الابن الكبير قائلا له هيا يا بني
اعبر فوقي الى المنزل الاخر فتنجو لكن الابن تردد قليلا فانتهره الاب لكي
يسرع فتسلق الولد جدار الشرفة واخذ يسير على ظهر أبيه وعبر. فنادى الاب
الابن الثاني قائلا اسرع يا بني فالنار أصبحت قريبة جدا وعبر الابن ونجا.
وجاء بعده الثالث ففعل نفس ما فعله اخويه. وتردد الابن الرابع عندما راى
النار وقد أصبحت قريبة جدا وجسد أبيه يهتز ويرتعش وكادت قوته تنهار وعضلاته
ترتخي نتيجة للجهد المضني الذي بذله وصرخ الاب وهو يشد يديه ويثبتهما بكل
ما اوتي من قوة حتى لايسقط وصاح على ابنه قائلا يابني لم يبق هناك وقت تشجع
لاتخف هيا اعبر كاخوتك والا هلكت. وبدا الولد يسير على ظهر ابيه بخطوات
متعثرة بينما انفاس الاب كادت تنقطع، وما ان عبر الابن اذا بالاب يسقط من
الارتفاع الشاهق وقد لفظ انفاسه الاخيرة. لقد مات الاب ليحيا الابناء بذل
حياته ليمنح حياة لاولاده.