قال تعالى : [ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ، وإن كنتم جنبا
فاطهروا ، وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم
النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ، ما
يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم
تشكرون ]
إن الوضوء ليس مجرد تنظيف للأعضاء الظاهرة ، وليس مجرد تطهير للجسد يتـوالى
عدة مرات في اليوم ، بل إن الأثر النفسي والسمو الروحي الذي يشعر به
المسـلم بعد الوضوء لشيء أعمق من أن تعبر عنه الكلمات ، خاصة مع إسباغ
الوضوء وإتقانه.
فالوضوء دورة كبير في حياة المسلم ، وهو يجعله دائما في يقظة وحيوية وتألق ،
وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم : ” من توضأ فأحسن
الوضوء خرجت الخطايا من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره ” ، وعنه صلى الله
عليه وسلم فيما رواه أحمد عن أبي أمامة : ” من توضأ فأسبغ الوضوء وغسل يديه
ووجهه ومسح على رأسه وأذنيه ثم قام إلى صلاة مفروضة غفر له في ذلك اليوم
ما مشت إليه رجلاه وقبضت عليه يداه وسمعت إليه أذناه ونظرت إليه عيناه وحدث
به نفسه من سوء ”
الوضوء وأسراره الثمينة :
إن عملية غسل الأعضاء المعرضة دائما للأتربة من جسم الإنسان لا شك أنها في
منتهى الأهمية للصحة العامة ، فأجزاء الجسم هذه تتعرض طوال اليوم لعدد مهول
من الميكروبات تعد بالملايين في كل سنتيمتر مكعب من الهواء ، وهي دائما في
حالة هجوم على الجسم الإنساني من خلال الجلد في المناطق المكشوفة منه ،
وعند الوضوء تفاجأ هذه الميكروبات بحالة كسح شاملة لها من فوق سطح الجلد ،
خاصة مع التدليك الجـيد وإسباغ الوضوء ، وهو هدي الرسول صلى الله عليه وسلم
، وبذلك لا يبقى بعد الوضوء أي أثر من أدران أو جراثيم على الجسم إلا ما
شاء الله .
– المضمضة : أثبت العلم الحديث أن المضمضة تحفظ الفم والبلعوم من
الالتهابات وتحفظ اللثة من التقيح ، وكذا فإنها تقي الأسنان وتنظفها بإزالة
الفضلات الغذائية التي تبقى بعد الطعام في ثناياها ، وفائدة أخرى هامة جدا
للمضمضة ، فهي تقوي بعض عضلات الوجه وتحفظ للوجه نضارته واستدارته ، وهو
تمرين هام يعرفه المتخصصون في التربية الرياضية ، وهذا التمرين يفيد أيضا
في إضفاء الهدوء النفسي على المرء لو أتقن تحريك عضلات فمه أثناء المضمضة .
– غسـل الأنــف : أظهر بحث علمي حديث أجراه فريق من أطباء جامعة
الإسكندرية أن غالبية الذين يتوضئون باستمرار قد بدا أنفهم نظيفا خاليا من
الأتربة والجراثيـم والميكروبات ، ومن المعروف أن تجويف الأنف من الأماكن
التي يتكاثر فيها العديد من هذه الميكروبات والجراثيم ، ولكن مع استمرار
غسل الأنف والاستنشاق والاستنثار بقوة – أي طرد الماء من الأنف بقوة – يحدث
أن يصبح هذا التجويف نظيفا خاليا من الالتهابات والجراثيـم ، مما ينعكس
على الحالة الصحية للجسم كله ، حيث تحمـي هذه العملية الإنسان من خطر
انتقال الميكروب من الأنف إلى الأعضاء الأخرى في الجسم .
– غسل الوجه واليدين : ولغسل الوجه واليدين إلى المرفقين فائدة كبيرة جدا
في إزالة الأتربة والميكروبات فضلا عن إزالة العرق من سطح الجلد ، كما أنه
ينظف الجلد من المواد الدهنية التي تفرزها الغدد الجلدية ، وهذه تكون
غالبا موطنا ملائما جدا لمعيشة وتكاثر الجراثيم .
– غسل القدميــن : أما غسل القدمين مع التدليك الجيد فإنه يؤدي إلى
الشعور بالهدوء والسكينة ، لما في الأقدام من منعكسات لأجهزة الجسم كله ،
وكأن هذا الذي يذهب ليتوضأ قد ذهب في نفس الوقت يدلك كل أجهزة جسمه على حدة
بينما هو يغسل قدميه بالماء ويدلكهما بعناية . وهذا من أسرار ذلك الشعور
الطاغي بالهدوء والسكينة الذي يلف المسلم بعد أن يتوضأ .
– أسـرار أخرى : وقد ثبت بالبحث العلمي أن الدورة الدموية في الأطراف
العلوية من اليدين والساعدين، والأطراف السفلية من القدمين والساقين أضعف
منها في الأعضاء الأخرى لبعدها عن المركز المنظم للدورة الدموية وهو القلب ،
ولذا فإن غسل هذه الأطراف جميعا مع كل وضوء ودلكها بعناية يقوي الدورة
الدموية ، مما يزيد في نشاط الجسم وحيويته . وقد ثبت أيضا تأثير أشعة الشمس
ولا سيما الأشعة فوق البنفسجية في إحداث سرطان الجلد ، وهذا التأثير ينحسر
جدا مع توالي الوضوء لما يحدثه من ترطيب دائم لسطح الجلد بالماء ، خاصة
تلك الأماكن المعرضة للأشعة ، مما يتيح لخلايا الطبقات السطحية والداخلية
للجلد أن تحتمي من الآثار الضارة للأشعة .