وزكَّاه في كل شيء:
زكَّاه في عقله،
فقال - سبحانه -: ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ
وَمَا غَوَى ﴾ [النجم: 2].
وزكَّاه في صدقه،
فقال - سبحانه -: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ
الْهَوَى ﴾ [النجم: 3].
وزكَّاه في بصره،
فقال - سبحانه -: ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ
وَمَا طَغَى ﴾ [النجم: 17].
وزكَّاه في فؤاده،
فقال - سبحانه -: ﴿ مَا كَذَبَ
الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ [النجم: 11].
وزكَّاه في صدره،
فقال - سبحانه -: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ
صَدْرَكَ ﴾ [الشرح: 1].
وزكَّاه في ذِكْره،
فقال - سبحانه -: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ
ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 4].
وزكَّاه في طُهْره،
فقال - سبحانه -: ﴿ وَوَضَعْنَا عَنْكَ
وِزْرَكَ ﴾ [الشرح: 2].
وزكَّاه في حلمه،
فقال - سبحانه -: ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ
رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].
وزكَّاه في علمه،
فقال - سبحانه -: ﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ
الْقُوَى ﴾ [النجم: 5].
وزكَّاه في خُلُقه،
فقال - سبحانه -: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى
خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
ثم أخبر عن منزلته في الملأ الأعلى عند رب
العالمين، وعند الملائكة المقرَّبين، فقال
- سبحانه -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ
وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ ﴾ [الأحزاب: 56]، ثم أمر أهلَ
الأرض من المؤمنين بالصلاةِ والسلام عليه؛
ليجتمع له الثناءُ من أهل السماء وأهل
الأرض، فقال - سبحانه -: ﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي
الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم -
قال: ((مَثَلي ومَثَل الأنبياءِ قبلي
كمَثَل رجلٍ بَنَى بنيانًا فأحسنَه
وأَجْمَله، إلا موضع لَبِنَة من زاوية من
زواياه، فجعل الناسُ يطوفون به، ويعجبون
له، ويقولون: هلاَّ وُضِعتْ هذه
اللَّبِنة! قال: ((فأنا اللَّبِنة، وأنا
خاتم النبيين)) [4].
• من وسائل
التربية على حب الرسول - صلى الله عليه
وسلم - تذكُّرُ رحمتِه ورأفتِه على أمته؛
فالنفس مفطورة على حبِّ مَن أحبها، ومَن
أحسن إليها، فمن ذلك ما جاء أنه - صلى
الله عليه وسلم - قرأ يومًا قولَ الله في
إبراهيم: ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ
كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي
فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي
فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [إبراهيم:
36]، وقرأ قولَ الله في عيسى: ﴿إِنْ
تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ
وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118]؛
فبكى - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله
إليه جبريلَ - عليه السلام - وقال: ((يا
جبريل، سَلْ محمدًا ما الذى يُبْكيك؟)) -
وهو أعلم - فنزل جبريل، وقال: ما يُبْكِيك
يا رسول الله؟ قال: ((أمتي .. أمتي يا
جبريل))، فصَعِد جبريل إلى المَلِك
الجليل، وقال: يبكى على أمتِه، والله
أعلم، فقال لجبريل: ((انزل إلى محمدٍ، وقل
له: إنا سنُرضِيك فى أمتِك))[5].
جاء عند مسلم أن النبي - صلى الله عليه
وسلم - قال: ((لكلِّ نبيٍّ دعوةٌ مستجابة
يدعو بها، وأريد أن أختَبِئ دعوتي شفاعةً
لأمتي في الآخرة))[6].
وجاء عند البخاري أن رجلاً أصاب من امرأةٍ
قُبْلة، فأتى النبيَّ - صلى الله عليه
وسلم - فأخبره، فأنزل الله:
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ
النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ
إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ
السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: 114]، فقال الرجل :
يا رسول الله، أَلِي هذا؟ قال: ((لجميع
أمتي كلِّهم)) [7].
• ومن وسائل
تربية النفس على حب النبي - صلى الله عليه
وسلم - تذكُّر شفاعتِه لأمته يوم القيامة،
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يجمع
الله الناسَ يوم القيامة فيهتمُّون لذلك،
فيقولون: لو استشفعنا على ربِّنا حتى
يُرِيحَنا من مكاننا هذا، قال: فيأتون آدم
- عليه السلام - فيقولون: أنتَ آدمُ أبو
الخلق، خلقَك الله بيدِه، ونفخ فيك من
روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفعْ لنا
عند ربِّك حتى يريحنا من مكاننا هذا،
فيقول: لستُ هُنَاكم، فيذكر خطيئته التي
أصاب، فيَسْتَحْيِي ربَّه منها، ولكن
ائتوا نوحًا أولَ رسولٍ بعثه الله، فيأتون
نوحًا - عليه السلام - فيقول: لستُ
هُنَاكم، فيذكر خطيئته التي أصاب،
فيَسْتَحْيِي ربَّه منها، ولكن ائتُوا
إبراهيم - عليه السلام - الذي اتَّخذه
الله خليلًا، فيأتون إبراهيم - عليه
السلام - فيقول: لستُ هُنَاكم، ويذكر
خطيئته التي أصاب، فيَسْتَحْيِي ربَّه
منها، ولكن ائتُوا موسى - عليه السلام -
الذي كلَّمه الله، وأعطاه التوراة، فيأتون
موسى - عليه السلام - فيقول: لستُ هُنَاكم،
ويذكر خطيئته التي أصاب فيَسْتَحْيِي
ربَّه منها، ولكن ائتُوا عيسى روحَ الله
وكلمتَه، فيأتون عيسى روح الله وكلمته،
فيقول: لستُ هُنَاكم، ولكن ائتُوا محمدًا
- صلى الله عليه وسلم - عبدًا قد غُفِر له
ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، فيأتوني،
فأستأذنُ على ربِّي، فيُؤذَن لِي، فإذا
أنا رأيتُه، وقعتُ ساجدًا فيَدَعُنِي ما
شاء الله، فيقال: يا محمد، ارفعْ رأسَك،
قُلْ تُسْمَع، سَلْ تُعْطَه، اشفعْ
تشفَّعْ، فأرفعُ رأسي فأحمدُ ربِّي
بتحميدٍ يعلِّمُنيه ربي، ثم أشفعُ
فيَحُدُّ لي حدًّا، فأُخرِجهم من النار،
وأُدخِلهم الجنة، ثم أَعُود فأَقَع
ساجدًا، فيَدَعُنِي ما شاء الله أن
يَدَعَنِي، ثم يقال: ارفعْ رأسَك يا
محمدُ، قُلْ تُسْمَع، سَلْ تُعْطَه، اشفعْ
تشفَّعْ، فأرفعُ رأسي فأحمدُ ربي بتحميدٍ
يعلِّمُنيه، ثم أشفعُ فيَحُدُّ لي حدًّا
فأُخرِجهم من النار، وأُدخِلهم الجنة، قال
– الرواي -: فلا أدري في الثالثة أو في
الرابعة قال: فأقول: يا ربِّ ما بَقِي في
النارِ إلا مَن حبسه القرآن))؛ أي: وَجَب
عليه الخلود [8].
فالشفاعة العظمى يوم القيامة لرسول الله -
صلى الله عليه وسلم - والشفاعة لعُصَاة
أمتِه - صلى الله عليه وسلم - كما قال -
عليه الصلاة والسلام -: ((شفاعتي لأهل
الكبائر من أمتي))[9] .